الجوامع الأثرية في مدينة دمشق

أهلاً بكم في مدونة الجوامع الأثرية في مدينة دمشق..

تذخر مدينة دمشق بالكثير من العناصر الفنية والتراثية والمعمارية الممتدة عبر العديد من العصور باعتبارها اقدم عاصمة في التاريخ..
في هذه المدونة سيتم التخصص في فن عمارة المساجد الأثرية باعتبارها من أجمل الموارد السياحية في مدينة دمشق والتي تعاني من قلة الاهتمام بها سياحياً .. على الرغم من الأهمية الكبيرة للسياحة الدينية فيها ..
أترك لكم هذه المقالات المتنوعة للتعرف على هذا الفن الرائع مع تمنياتي بالفائدة للجميع..

الجمعة، 20 سبتمبر 2019

جامع محي الدين بن عربي


جامع محي الدين بن عربي



يقع جامع الشيخ محيي الدين بن عربي الفيلسوف المتصوف في حي الصالحية القديم، في منطقة تحمل اسمه، وهو يتوسط سوقا شعبيا مكتظا بالناس يطلق عليه اسم سوق الجمعة ، وفي شارع ضيق يفيض عن رواده· يمكن للمرء أن يمر من أمام الجامع دون أن ينتبه له من ضيق المكان· كما يمكن أن تخدعه الأجواء الصاخبة حول الجامع وهي على النقيض مما يتطلبه التصوف الذي عرف به ابن عربي والذي يحتاج إلى هدوء وسكينة· وهو في دمشق جامع أشهر من أن يعرف، تنذر له النذور، وتوزع أمام أبوابه على الفقراء·
ولد محيي الدين بن عربي في بلدة مرسية في الأندلس سنة (560 هـ /1165م) عاش فيها حتى بلغ الثامنة، ثم انتقل إلى إشبيلية، التي كانت العاصمة الفكرية للعالم الإسلامي في ذلك الوقت، وقضى فيها عشرين عاماً، حيث تلقى علوم الفقه والحديث والكلام، واطلع على المذاهب الفلسفية وسائر علوم عصره· انتقل بعدها إلى المغرب وأقام فيها حتى سنة (1201م)· زار تونس ومصر والحجاز وبغداد والموصل والقدس والخليل· ثم أقام في دمشق حتى وفاته سنة (638هـ/1240م)·
ألف ابن عربي في التصوف، وفي التفسير، ومال إلى الأدب، وكتب الرسائل إلى بعض الولاة والعلماء ومفكري عصره· وله معرفة واسعة في علوم الدين، وباع طويل في علم الكلام والتصوف، وله في ذلك الكتب والمصنفات التي تعتبر مراجع صوفية لا يمكن الاستغناء عنها، وعلى قدر من الأهمية والتفرد· كان يشار إليه بالفضل والمعرفة، جمع بين مختلف العلوم المكتسبة، كان صاحب علم وخلق، كان شيخاً جامعاً للعلوم، له معرفة تامة بعلم الأسماء والحروف وعلم الفراسة، وله في ذلك أشياء غريبة واستنباطات مبدعة·
وابن عربي هو الفيلسوف الصوفي المسلم الذي هز مذهبه العالم الإسلامي، وسيطرت أعماله على القيم الأخلاقية الإسلامية من القرن السابع الهجري· قسم ابن عربي العلوم إلى ثلاثة: علم العقل، علم الحال، وعلم الأسرار، هذه هي مجموع المعارف، وما سواها فروع تندرج تحت لوائها·
علم العقل، هو كل علم يحصل نتيجة نظر في دليل، بينما علم الأحوال فلا سبيل إليه إلا بالذوق أو المشاهدة، وهو علم يتلون بلون ذوقه أو بلون مشاهداته كالعلم بمرارة الصبر وحلاوة العسل، وشرطه سلامة الإدراك والبراءة من الآفات فمن يغلب على طعم فمه المرارة يجد العسل مراً، وهذا العلم يُترك لأصحابه، فلا يتحدث به إلا من ذاقه ولا يجوز إنكار الذوق على من ذاق·
أما علم الأسرار فإنه فوق طور العقل وإدراكاته، هو علم المتصوفة، والعالم به يعلم العلوم كلها، وأساسه الحكمة التي يؤتيها الله من يشاء وقد اختص الله بها الأخيار، وهو علم المشاهدة والمكاشفة·

معمار الجامع





يعتبر جامع ابن عربي من أول المباني التي أشادها العثمانيون في دمشق، فقد أنشأه السلطان سليم الأول سنة 924 هـ / 1518م بعد سنتين من احتلال العثمانيين لسوريا فوق ضريح الشيخ محي الدين بن عربي المتوفى قبل حوالي ثلاثة قرون من بناء الجامع·
يعتبر الجامع منشأة كبيرة متقشفة العناصر الزخرفية، وقد صمم الجامع المهندس العثماني شهاب الدين بن العطار· استعملت في بناء الجامع أعمدة معمارية نقلت من المباني المملوكية المهدمة، وتحديداً من دار السعادة، ويفسر الفقر الزخرفي لهذا الجامع، بأنه مع بداية الاحتلال العثماني لسوريا، لم يكن هناك اهتمام كبير بها، ولم تكن العمارة العثمانية قد استقرت بعد، لأن جزءاً أساسياً من بناء الجامع أقيم على الطراز المملوكي·
بوابة الجامع منخفضة ينزل لها بعدة درجات ويبدو أنها قديماً لم تكن كذلك، إنما كان الجامع على مستوى الأرض وخلفه منطقة منخفضة، يؤدي الباب إلى صحن الجامع، وفي الجهة الشرقية من الصحن تقع غرفة الأضرحة، ينزل إليها بعدة درجات، وهي عبارة عن قاعة مستطيلة تغطي جدرانها بلاطات القاشاني الزرقاء المزخرفة، وتعلوها قبة ملساء مدببة تستند إلى رقبة مضلعة بطبقة واحدة مؤلفة من اثني عشر ضلعاً، مفتوح فيها اثنتا عشرة نافذة مقوسنة، وفوقها زخرفات للقبة على الطراز العثماني·












مئذنة الجامع



شيدت مئذنة الجامع على الطراز المعماري المملوكي، لأن العثمانيين كانوا حديثي العهد في فن العمارة، وقد أطاح زلزال عام 1173 هـ / 1759 م برأس المئذنة، فأعيد بناؤه ورممت الأقسام المتضررة· يصف ولتسينجر في كاتبه الآثار الإسلامية في مدينة دمشق، هذه المئذنة فيقول: تقوم المئذنة إلى جانب البوابة الخارجية للجامع، وهي مغطاة بشمسية بارزة محلاة بزخارف عثمانية متأثرة بفن الباروك الأوروبي· يعتبر هذا التصميم نوعاً من التداخل بين المفهومين التركي والعربي· ومن المرجح أن تكون المئذنة في الأصل أقل ارتفاعاً من وضعها الحالي، وهي تتألف من الأسفل من جذع مثمن أصم، مقرنصات، شرفة محاطة بتصوينة حجرية مخرمة بأشكال هندسية دقيقة، ويلي هذه الشرفة بقية الجذع الذي يتقلص نحو الأعلى، ولا بد أن المئذنة كانت مغطاة بقلنسوة وذلك لأن حجم الجذع يتقلص نحو الأعلى بخط منحن·
وتزين بقية الجذع أشرطة أفقية وأخرى مسننة، ويلي تلك الأشرطة شرفة مؤذن ثانية ولكنها صغيرة وهي ترتكز على مقرنصات يعلوها طنف متقلص لعله كان مكاناً للبصلة القاهرية، ويحتمل أن يكون باقي الجذع والقلنسوة التركية المدببة الحالية جددا تجديداً مؤخراً· وتبدو تصوينة المؤذن الثانية المؤلفة من 12 شبكا حجريا وكأنها من أصل بيزنطي·
من الواضح أن النصف الأسفل لهذه المئذنة والذي ينتهي بالمقرنصات التي تعلوها شرفة المؤذن الأولى، هي نموذج الطراز المملوكي الذي ينتهي هنا· ثم تبدأ المئذنة بطراز عثماني بزخارف مختلفة الطراز عن القسم الأسفل، مما جعل المئذنة طرازاً هجيناً تعود إلى أزمنة مختلفة·


أضرحة الجامع





في الغرفة المستطيلة التي تحتوي على ضريح محي الدين بن عربي، هناك عدد آخر من الأضرحة التي تجاوره في المكان· فقد دفن إلى جانب ابن عربي ولديه سعد الدين وعماد الدين، إضافة إلى ثلاثة قبور، واحد منها للأمير عبد القادر الجزائري، الذي نفته فرنسا إلى سوريا بعد الثورة التي قادها ضدها، وقد نقل رفاته إلى الجزائر بعد الاستقلال وبقي الضريح الخشبي في موضعه· وهناك ضريح للشيخ محمد أمين الخربطلي ناظر الجامع الأسبق، وهناك ضريح لمحمود سرّي باشا صهر الخديوي إسماعيل حاكم مصر، وتذكر المصادر التاريخية أن راشد باشا والي سوريا العثماني مدفون في المكان أيضاً·
مكان مبارك
يتعامل الدمشقيون مع ضريح ابن عربي بوصفه مكاناً مباركاً، وفي كل وقت يوجد من يتبارك بضريح الشيخ الصوفي، وليس بمستغرب أن يجد الزائر بعض الدمشقيين يوزعون بعض المعونات على باب الجامع بعد الصلاة· والجامع معروف بتواجد المساكين فيه، وفي محيطه، ليس فقط لأن ابن عربي كان متصوفاً، فهناك مقابل الجامع تقع التكية السليمية ، وميزة هذه التكية أنها منذ حوالي خمسة قرون ما زالت توزع الطعام مجاناً على المساكين إلى اليوم، وهو سبب آخر يجعل المساكين ينتظرون بالقرب من جامع ابن عربي حسنات التكية أو حسنات المارين الذين قرروا أن يوزعوا بعض الأشياء على باب الجامع المبارك·

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق